في قلب مدينة حماة السورية، وعلى ضفاف نهر العاصي، تدور عجلات الزمن ببطء وجمال، إنها نواعير حماة، تلك التحف الهندسية التي لا تزال تدور منذ قرون، شاهدة على حضارة أبدعت في تحويل الطبيعة إلى فن. ليست النواعير مجرد أدوات لرفع المياه، بل هي رمز حيوي وتاريخي للمدينة، ومعلم جذب سياحي فريد لا مثيل له في العالم.

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة عبر الزمان والمكان، لنكشف أسرار نواعير حماة، أهميتها التاريخية والهندسية، ودورها الثقافي والسياحي اليوم، ولماذا تعتبر من أبرز رموز التراث السوري.

ما هي نواعير حماة؟

ناعورة حماة

النواعير هي عجلات خشبية ضخمة تُركب على ضفاف نهر العاصي، وتعمل بقوة دفع المياه الجارية. تتكون من إطار دائري ضخم مثبت عليه صناديق أو دلاء خشبية، تملأ بالماء أثناء دوران الناعورة، ثم تفرغها في قناة مرتفعة تنقل الماء إلى البيوت والحدائق والمساجد.

وقد اشتهرت مدينة حماة بهذا النوع من النواعير، حتى أصبحت تُعرف بـ”مدينة النواعير”، حيث تنتشر فيها أكبر وأقدم مجموعة من هذه العجلات المائية في العالم.

تاريخ نواعير مدينة حماة

يرجّح المؤرخون أن النواعير تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد ازدهرت بشكل كبير في العهد الإسلامي، خاصة في العصر العباسي والمملوكي، حيث كانت تُستخدم لري الأراضي الزراعية، وتزويد الحمامات والمدارس والمساجد بالماء.

في ذروتها، بلغ عدد النواعير في حماة أكثر من 30 ناعورة، كل واحدة منها تحمل اسمًا وتاريخًا وقصة مختلفة، وتخدم حياً معينًا من المدينة.

أبرز نواعير حماة

رغم اندثار العديد من النواعير بمرور الزمن، إلا أن بعضًا منها لا يزال قائمًا ويدور حتى اليوم، ومن أبرزها:

نواعير مدينة حماة

1- ناعورة المحمدية

الأكبر حجمًا في حماة (يبلغ قطرها حوالي 21 مترًا)

تقع بالقرب من جسر الكيلاني

كانت تُستخدم لإيصال الماء إلى الجامع الكبير ومدارس المدينة

2- ناعورة المأمورية

إحدى أقدم النواعير

تشتهر بتصميمها الخشبي الدقيق

كانت تخدم منطقة السوق القديم

3- ناعورة الجعبرية

تقع عند مدخل المدينة القديمة

تعتبر رمزًا ثقافيًا وتراثيًا لحماة

4- ناعورة البشريات وناعورة المهدي

تعملان كزوج متكامل على ضفاف العاصي

تستخدمان حتى اليوم في المناسبات التراثية

أهم ما يميزها

ما يميز نواعير حماة ليس فقط وظيفتها، بل أيضًا شكلها الفني وصوتها المميز، حيث تُصدر صوتًا خشبيًا إيقاعيًا جميلًا أثناء دورانها، يشبه عزفًا طبيعيًا متواصلاً، بات يُعرف بـ”أنين النواعير”.

وتُعد النواعير جزءًا لا يتجزأ من المشهد العام للمدينة، تتناغم مع الجسور الحجرية، والطراز المعماري للبيوت الحموية، لتخلق مشهدًا بصريًا وسماعيًا ساحرًا لا يُنسى.

الاهمية السياحية

تُعد نواعير حماة من أهم عوامل الجذب السياحي في المدينة، ويقصدها الزوار من داخل سوريا وخارجها لرؤيتها وهي تدور على نهر العاصي، خاصة في فصل الربيع، حيث تكون الطبيعة في أبهى صورها.

ناعورة مدينة حماة
  • لالتقاط الصور بجانب أكبر نواعير العالم
  • للاستمتاع بصوتها الفريد وهدير الماء
  • لزيارة المقاهي والمطاعم التقليدية المطلة عليها
  • لحضور مهرجانات تراثية تقام بالقرب منها

كما أن وجودها في قلب المدينة يجعل الوصول إليها سهلاً، ويتيح للزوار الجمع بين زيارة النواعير والمعالم الأخرى مثل قلعة حماة والأسواق القديمة والجامع الكبير.

الاهمية في الثقافة الحموية

تلعب النواعير دورًا عاطفيًا عميقًا في وجدان أهالي حماة، فهي ليست مجرد آلة، بل جزء من هوية المدينة. وقد تغنّى بها الشعراء والفنانون، وأصبحت تُذكر في الأغاني الشعبية، والحكايات، واللوحات، وحتى في الأعمال السينمائية.

يقول أحد كبار السن من أهل المدينة:

“ما فينا نحس إننا بحماة إلا إذا سمعنا صوت الناعورة… هي نبض المدينة وذاكرتها.”

التحديات والحفاظ على التراث

رغم قيمتها التاريخية، تعاني النواعير من الإهمال وتغيرات المناخ وقلة الصيانة، مما يهدد استمرارها كرمز حي. وقد ناشد العديد من الخبراء بضرورة:

  • إدراج النواعير ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي
  • إنشاء مراكز صيانة دائمة لها
  • تقديم تسهيلات للسياح والباحثين لزيارتها
  • دعم المشاريع السياحية والثقافية المرتبطة بها

إن نواعير حماة ليست مجرد دواليب خشبية تدور على نهر، بل هي سجل حي من التاريخ، وروح متجددة للحياة، ومعلم سياحي لا مثيل له في الشرق الأوسط. كل من يزور حماة لا بد أن يقف أمامها، يسمع أنينها، ويرى انعكاسها في الماء، ليشعر بعمق حضارة امتدت لآلاف السنين.

زيارة النواعير ليست تجربة بصرية فقط، بل رحلة حسية تعيدنا إلى جوهر العلاقة بين الإنسان والطبيعة، بين الحِرَف التقليدية والوظيفة الذكية، وبين الماضي والمستقبل.

مشاركة المقال!