في قلب مدينة حلب القديمة، حيث تتشابك الأزقة الحجرية وتختلط رائحة التاريخ بعبق التوابل القادمة من الأسواق، يقف الجامع الأموي في حلب شامخًا منذ أكثر من عشرة قرون.
هو ليس مجرد مسجد للصلاة، بل تحفة معمارية ومَعلم تاريخي وروحي، شهد على عصور الازدهار والتحديات التي مرت بها المدينة.
موقع الجامع الاموي في حلب
يقع الجامع الأموي الكبير في المدينة القديمة بحلب، وتحديدًا في المنطقة الغربية من سوق المدينة الشهير، وعلى مقربة من سوق الزرب وسوق النحاسين.
يُعتبر موقعه استراتيجيًا، إذ يربط بين أهم الأسواق التقليدية في حلب، مما جعله عبر القرون ملتقى للتجار والعلماء والزوار.
لمحة تاريخية عن الجامع
التأسيس الأموي
يُعتقد أن بناء الجامع بدأ في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705 – 715م)، الذي أسس أيضًا الجامع الأموي في دمشق.
كان الهدف إنشاء مسجد جامع يليق بمكانة حلب كمدينة مزدهرة، ويكون مركزًا دينيًا وتعليميًا وحضاريًا.
التجديدات العباسية والأيوبية
تعرض الجامع لعدة عمليات ترميم وإعادة بناء، أبرزها في العهد العباسي وفي عهد الملك الظاهر غازي (ابن صلاح الدين الأيوبي) عام 1196م، حيث أُضيفت الزخارف الحجرية، وتم ترميم المئذنة.
المئذنة التاريخية
كانت المئذنة التي شُيدت عام 1090م على يد القاضي أبو الحسن، من أجمل المآذن في العالم الإسلامي، بارتفاع حوالي 45 مترًا، وتزيينها بالنقوش الهندسية والخط العربي.
لكن للأسف، انهارت المئذنة في عام 2013 أثناء الأحداث التي شهدتها المدينة، مما شكّل خسارة أثرية كبيرة.

الهندسة المعمارية للجامع الاموي في حلب
الجامع الأموي في حلب هو نموذج مميز لفن العمارة الإسلامية في سوريا، حيث يجمع بين البساطة الجمالية والقوة الهندسية.
الباحة الداخلية
- فسيحة، مرصوفة بالحجر الأبيض والأسود (نمط الأبلق).
- في وسطها بركة ماء مستطيلة الشكل تُستخدم للوضوء، وتضفي جمالية على المشهد.
- تحيط بها أروقة مسقوفة بأقواس حجرية متناسقة.
بيت الصلاة
- يتكون من ثلاثة أروقة، أكبرها الرواق الأوسط المؤدي إلى المحراب.
- المحراب مزخرف بزخارف هندسية ونباتية دقيقة.
- المنبر مصنوع من الخشب المزخرف والمطعّم.
المئذنة
- رغم فقدانها، إلا أن صورها التاريخية تظهر تفاصيل فنية رائعة، منها الكتابات الكوفية والنقوش الهندسية المتناظرة.
الزخارف
- تعتمد على الحجر المحفور والخشب المنحوت.
- ألوان الحجر الأبيض والأسود تمنح تباينًا بصريًا جذابًا.
الأهمية الدينية والثقافية
- مركز علمي: كان الجامع مركزًا لتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية.
- ملتقى اجتماعي: يجتمع فيه أهالي حلب في الأعياد والمناسبات الدينية.
- رمز حضاري: يمثل استمرار التقاليد المعمارية والفنية الإسلامية منذ العهد الأموي حتى اليوم.
الجامع الأموي والسياحة في حلب
زيارة الجامع الأموي الكبير تجربة مدهشة لكل من يعشق التاريخ والعمارة الإسلامية.
يستقبل الجامع الزوار من مختلف أنحاء العالم، خاصة المهتمين بالعمارة التراثية، والتصوير، والتاريخ الإسلامي.
ما يمكنك فعله عند زيارة الجامع:
- التجول في الباحة والتأمل في تفاصيل النقوش والزخارف.
- زيارة الأسواق المحيطة وشراء المنتجات الحلبية التقليدية.
- التقاط الصور التي تجمع بين الجامع والأسواق التاريخية.
- الاستماع للمرشدين السياحيين الذين يروون قصص المكان وتاريخه.

أفضل أوقات الزيارة
- الربيع والخريف: حيث يكون الطقس لطيفًا ويزداد جمال ضوء الشمس على الحجر.
- شهر رمضان: الأجواء الروحانية مميزة، والأنشطة الليلية في الأسواق تزيد من سحر المكان.
- يُفضّل زيارة الجامع في ساعات الصباح الباكر لتجنّب ازدحام الأسواق المحيطة.
الترميم وإعادة الإعمار
بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالجامع خلال السنوات الأخيرة، بدأت جهود الترميم بدعم من منظمات دولية وهيئات محلية.
الهدف هو إعادة الجامع إلى رونقه التاريخي، بما في ذلك إعادة بناء المئذنة باستخدام نفس الطراز المعماري والحجر الأصلي.
الجامع الأموي الكبير في حلب ليس مجرد بناء أثري، بل هو قلب نابض لتاريخ المدينة وهويتها.
هو شاهد على حضارات متعاقبة، وعلى براعة الحرفيين الحلبيين في مزج الفن بالوظيفة.
زيارته تعني السير على خطى الخلفاء والعلماء والتجار الذين جعلوا من حلب واحدة من أعظم مدن الشرق.
إذا كانت دمشق تفخر بجامعها الأموي، فإن حلب تعتز بجوهرتها التي بقيت، رغم المحن، رمزًا للصمود والجمال.
